صوت العرب:تونس.
في عرض فني موسيقي كان بمثابة صرخة مدوية، قدمت مسرح الشمس عرضها المميز “يا طالعين الجبل” في إطار فعاليات الدورة الخامسة والعشرين لأيام قرطاج المسرحية يوم الأربعاء 27 نوفمبر 2024. العرض، الذي أخرجه عبد السلام قبيلات، هو تكريم لروح الصمود الفلسطيني واستعادة لذكريات المعاناة التي لا تزال تمزق الشعب الفلسطيني في ظل الاحتلال
المسرحية، التي استلهمت نص “عد إلى البيت يا خليل” للكاتبة كفى الزغبي، تقف على حافة الذاكرة الفلسطينية، لتروي قصة ثريا، التي تخرج في رحلة مؤلمة بحثًا عن جثمان زوجها الشهيد يوسف في جثث الضحايا التي ألقتها العصابات الصهيونية في الوادي. وبينما تواصل البحث، تكتشف أن يوسف لم يمت، بل أصبح رمزًا من رموز المقاومة الفلسطينية التي تهز الأرض وتصدح بها الأجيال.
“يا طالعين الجبل” لم يكن مجرد عرض مسرحي تقليدي، بل كان بمثابة رحلة في أعماق معاناة الفلسطينيين على مدار عقود. السرد في العرض طغى على المشهد المسرحي بشكل غير مسبوق، حيث تقاطع السرد مع أغانٍ تراثية فلسطينية وصوت حي نقل للجمهور عبق المعاناة والألم، ليعيشوا مع ثريا في لحظات ضعفها وقوتها.
حياة جابر، الممثلة التي تقمصت شخصية ثريا بكل ما فيها من حزن وألم، نقلت بصوتها القوي والموجوع صوت آلاف الأمهات الفلسطينيات اللواتي يعانين من فقدان الأحبة، ومن القتل الجماعي، ومن الآلام اليومية التي لا تنتهي. كان صوتها، الذي انتقل بين الحزن والتمرد، تجسيداً حياً للألم الفلسطيني الذي لا يموت رغم القهر.
المسرحية لم تكتفِ بالسرد فقط، بل أضافت له الموسيقى الحية التي عكست أوجاع الفقد والمقاومة. الأغاني الفلسطينية، التي تخللت العرض، كانت بمثابة رسالة مباشرة إلى العالم بأن فلسطين لا تزال تقاوم، وأن شعبها يرفض أن يُنسى أو يُمحى من الذاكرة. في مشهد مكثف، تجسد ثريا الهم الفلسطيني الكبير، مؤكدة أنه “لا شيء تغيّر”، وأن القضية لا تزال حية رغم كل محاولات الصمت والنسيان.
العرض يحمل رسالة سياسية قوية، من خلال تذكير العالم بصمتهم إزاء ما يحدث في فلسطين. تصرخ ثريا في نهاية العرض بكلمات ترفض أن تنسى ما حدث، وتدعو إلى الوقوف في وجه الظلم: “ما حدث يصعب عام واحد على تحمّله”. هذه الكلمات، التي تتناغم مع أحداث “طوفان الأقصى” في أكتوبر 2023، تضع العالم في مواجهة مع مسؤولياته تجاه الشعب الفلسطيني.
في النهاية، يقدم “يا طالعين الجبل” أكثر من مجرد مشهد مسرحي: هو دعوة مفتوحة لعدم نسيان المعاناة الفلسطينية، وهو تذكير بأن الصوت الفلسطيني لن يتوقف حتى تتحقق العدالة. عرض مسرحي حمل رسالة وطنية وإنسانية عميقة، ترك أثراً عاطفياً عميقاً في قلوب الحضور، وجعلنا ندرك أن جرح فلسطين لا يندمل إلا بالحرية والكرامة.
الرابط : https://www.arabvoice-cca.com/default.aspx?l=2&pg=27&cii=15&ii=4842