منذ فترة طويلة لم أشاهد مسرحا، لكنني وما أن دخلت مسرح الشمس ـ المقهى، ثم قاعة المسرح، أحسست بشيء مختلف. إن تجهيز مسرح بهذا الشكل الحداثي والعصري هو عمل قومي ووطني، لم تقم به حتى الدولة، وهو من واجباتها المهمة، أي تأسيس وفتح المزيد من المسارح في سياق خطة للنهوض بالمشهد الثقافي في البلد.
أما أن يقوم به فرد باذلا جهده وماله وفنه، فإن أقل ما يُقال فيه أنه عمل بطولي، يذكرنا بما قام به أبو خليل القباني حينما باع قبّان الأسرة وأنشأ مسرحا، هذا المسرح الذي أسس لنهضة حقيقية في الشرق، فبورك الجهد من أبي خليل القباني إلى عبد السلام القبيلات.
وإذا انطلقنا من حقيقة أن المسرح فعل حي يتحقق عبر التفاعل بين الجمهور والحدث المسرحي، مما يشكّل احتفالية اجتماعية فيها من الفن والثقافة والسياسة والفلسفة بحركة جميلة تعبّر عن الحياة، فإن ذلك يقودنا إلى الحديث عن المسرحية التي دشّن بها مسرح الشمس باكورة أعماله، وأنا هنا أتحدث كأي مشاهد لمسرحية “ادفع…ما بدفع!” التي يمكن القول أنها كوميديا اجتماعية، لكن ليست تقليدية كعهدنا بالكوميديا العربية وخاصة الأكثر رواجا منها.
إن نص هذه المسرحية معرّب، وهذا عادي جدا، لكن ما لفت نظري هو طريقة تعريبها، أي معالجة النص، فقد ظهرت الإشارات التي تدل على منشأ النص ممتزجة ومتفاعلة مع العمق الاجتماعي المحلي، مما يتيح للمواطن البسيط العادي التفاعل معها كونها تعبّر عنه وعن همومه. ظهرت الشخصيات بأسماء ايطالية، لكنها قد تكون من سكان جبل النظيف، أو أي من الأحياء الفقيرة في عاصمتنا الغراء أو أي حي فقير من هذا الوطن، مما يدل على وحدة الهم الإنساني في كل مكان.
فضلا عن ذلك فثمة إشارة من المهم جدا الانتباه إليها، وهي استخدام تقنيات مسرح بريخت في الإخراج. تجلت هذه التقنيات من خلال إشعار الممثلين أو إخبار الجمهور أنهم يمثلون، فاللعبة عبارة تمثيل، وإن ما يقومون به كممثلين هو تقمص لشخصيات موجودة في نص مكتوب.
والتقمص هنا لا يكون كاملا، بحيث تظهر بجلاء لعبة التمثيل، وما عزز ذلك انتقال الممثل من دور إلى دور بحيث لو أراد المشاهد أن يصذّق الشخصية لا يستطيع، فالمطلوب هنا التفاعل مع تقنيات المسرحية وما تطرحه من رموز وأفكار، ولا أنسى توفر عنصري التشويق والمتعة عبر اداء جيد للممثلين.
أخيرا أود الإشارة إلى ما انتهت إليه المسرحية، فالممثلون يريدون الخروج من النص الذي يقيدهم، وفي مصطلح النص أرى بعدا رمزيا، فكلنا أسرى لنصوص تقيدنا سواء كانت جمعية أو فردية.
بقلم: زينب الزعبي – ماجستير في النقد المسرحي