كتبت بديعة زيدان:
عن رواية الأردنية كفى الزعبي “عد إلى البيت يا خليل”، ومن إخراج عبد السلام قبيلات، قدّمت الفنانة المسرحية حياة جابر والمغنية هند حامد، بمرافقة موسيقية من عازف الإيقاع الفنان معتصم عازر وعازف العود الفنان يان، العرض الأول لـ”يا طالعين الجبل”، مساء أول من أمس، في مقر مسرح الشمس بالعاصمة الأردنية عمّان.
العرض المسرحي الموسيقي، من إنتاج مسرح الشمس، ويأتي في إطار النشاطات التي يقوم بها المسرح “للتعبير عن الموقف الشعبي الرافض للاحتلال وممارساته الإجرامية”، والمتضامن مع الشعب الفلسطيني، ويتناول حكاية من حكايات مجزرة “دير ياسين”، من متن ما جاء في الرواية التي كانت صدرت باللغة الروسية.
وعلى خلفية صورة على الشاشة الضخمة المثبتة خلف الفنانين تُظهر الدمار في قطاع غزة، انطلق العمل بمقطع من أغنية “يويا” للفنان محمد أبو هلال الشهير بـ”أبو نسرين”، يعبّر عن واقع الحال المتواصل منذ عقود في فلسطين، وتحديداً منذ نكبة العام 1948.
ويخرج الفنانون ممّا يوحي أنها توابيت، في رمزية واضحة للانتصار للحياة رغم كل الموت المحيط بالشعب الفلسطيني، رفضاً للأمر الواقع من “قمع ومواجع”، لتبدأ الحكاية سرداً وتجسيداً، حيث “ثريا” التي تسمع من يتحدث عن خمس جثث ملقاة أسفل الوادي في دير ياسين، مشيراً إلى أن العصابات الصهيونية تعمّدت ذلك كي يكونوا طعاماً للكلاب، وكي يراهم من يراهم فيدب الرعب في نفوسهم ويتركون البلدة التي دفن الشهداء من أهلها في مقابر جماعية، قبل أن تفجع بأن جثمان “يوسف” التي أحبت فتزوجت، أحد هذه الجثامين، لتقرر على عكس نصائح الآخرين أن تنقذ جثمانه، ليكون مصيرها كمصيره، فتترك أطفالهما دون أب وأم.
وهنا تعيش “ثريا”، وجسّدت دورها الفنانة حياة جابر، حالة تحاكي الكثير مما تعايشه نساء غزة، ورجالها، وأطفالها، خاصة ممّن أجبروا على النزوح من ديارهم، تاركين جثامين محبيهم إما تحت الركام، أو في مقابر جماعية، أو في واحدة من ثلاجات المشافي المستباحة الآن، أو في العراء كما جثمان “يوسف” ورفاقه.
وتميز العمل الذي قُدّم بالفصحى، بالمزج المتقن والمؤثر بين التجسيد الأدائي مسرحياً، والسرد الحكائي، والغناء الذي جاء متسقاً مع البنية الدرامية للعمل بصوت مميز للمغنية هند حامد بالاشتراك مع معتصم عازر، و”يان” الذي قدّم دور الحكواتي المساند.
وكشف مخرج العمل عبد السلام قبيلات لـ”الأيام” أن العمل أنجز في أسبوع، وأنه جاء نتيجة الرغبة في تقديم شيء ما يحاكي ما لا يمكن تصوّره مما يحدث في فلسطين عامة، وفي قطاع غزة على وجه الخصوص، وكيف لهذا الشعب أن يتحمل كلّ هذه العذابات، ويصرّ على الصمود ومواجهة الإبادة والتهجير.. “الشعب الفلسطيني، وتحديداً في غزة يسطر ملحمة أسطورية، ويصنع التاريخ، ويضع العالم أمام اختيار أخلاقي وإنساني”.
ولفت قبيلات إلى أن رواية “عد إلى البيت يا خليل” تتناول المجازر التي تعرض إليها الشعب الفلسطيني، من دير ياسين إلى صبرا وشاتيلا وجنين وغيرها، وتم اختيار حكاية ثريّا ويوسف من داخل الرواية التي أحدثت تفاعلاً كبيراً لدى قرّاء الروسية وخاصة لدى الشباب الغائبين عن الكثير من تفاصيل القضية الفلسطينية، وهي من حكايات مجزرة دير ياسين التي نفذتها العصابات الصهيونية، فكان عرض “يا طالعين الجبل” لعلنا نلامس شيئاً من “بطولات الفلسطينيين”، لقناعتنا أن دورنا كفنانين هو رواية حكايات البطولة والصمود وهذه، وتثبيتها، باعتبار أن الفن ليس رسالة فحسب، بل يجب يكون أداة تحريضية علاوة على كونها تضامنية.
بدورها وصفت الفنانة حياة جابر لـ”الأيام” العرض بالعمل الرافض لرواية الاحتلال الذي يواصل إجرامه بحق الشعب الفلسطيني منذ عقود، ويزيد من بطشه في حق الأبرياء في غزة بشكل لا يعقل هذه الأيام، وبأنه مقولة فنيّة تواجه الاحتلال وأكاذيبه تجاه ما يحدث في غزة خاصة، وفلسطين عامة، في تآلف بين عديد الفنانين الأردنيين.. “الآن يأتي دور الفنان ليقول مقولته، وليحشد الجمهور حولها، عبر الانتصار أداءً وسرداً للرواية الحقيقية بأن فلسطين لأهلها، لأصحاب الأرض.. في ظل هذه الأحداث الصعبة والأليمة التي نتعرض لها لا يمكن للفن أن يكون محايداً، أو أن يمارس دوراً ترفيهياً، بل عليه أن يكون مُطهِراً ومُطهّراً، ويمارس دوراً في شحذ الهمم، ولفت الانتباه إلى أننا كلنا كعرب نباد الآن في غزة”.
كان العمل المسرحي الموسيقي “يا طالعين الجبل” بمثابة صرخة على شكل سؤال استنكاري مفاده: “متى سينحسر الليل؟!”، كما تساءلت “ثريا” ابنة “دير ياسين” أو ابنة “غزة” أو ما بينهما من مجازر إبادة إسرائيلية، وهي تتأمل أطفالها النيام بشكل مؤقت أو دائم.
الرابط: https://www.al-ayyam.ps/ar_page.php?id=165ab3c9y375043017Y165ab3c9&fbclid=IwAR2Ml9nc8x7Pqo92xbW_KAZjNQBYI8ScC5lyTS1cFsnv83Aut38LMSrBesc